مظاهر العيد في التراث الدمشقي

مظاهر العيد في التراث الدمشقي الباحثة م. هلا قصقص لا يقتصر التراث الدمشقي على الآثار المادية المتمثلة بالمتاحف والأوابد التاريخية من بيوت وجوامع وخانات وحمامات وغير ذلك، ولا على ما تمثله كتابات الشعراء والأدباء والمفكرين عبر العصور، بل تعدى ذلك إلى ما يصدر عن عامة الشعب من فن أصيل ناتج عن الإيقاع والكلمة والممارسات الاجتماعية سواء كانت في حياتهم اليومية أم في المناسبات الاجتماعية كالأعياد والمآتم والأعراس وغيرها. أولى الدمشقيون المناسبات الدينية والأعياد اهتماما كبيراً، وأهم أعياد المسلمين واحتفالاتهم الدينية هي رأس السنة الهجرية ويوم عاشوراء وعيد المولد النبوي والاحتفال بليلة النصف من شعبان وليلة الإسراء والمعراج والاحتفال بقدوم شهر رمضان وبعدها عيد الفطر يحتفل المسلمون بعيدين دينيين رئيسيين، هما عيد الفطر وعيد الأضحى، ويعد عيد الفطر أول الأعياد عند المسلمين ، ويكون مباشرةّ في نهاية شهر رمضان كاملاً ، حيث يحتفلون فيه في الأيام الثلاثة الأولى من شهر شوال من كل عام، ليكون أوّل يومٍ يفطرون فيه بعد صيام شهر كامل؛ ويذكر أن أوّل مرّة احتفل المسلمون في عيد الفطر في السنة الثانية للهجرة. أما عيد الاضحى فيكون في العاشر من ذي الحجة ومدته أربعة أيام بعد وقفة عرفات، الموقف الذي يقف فيه حجاج بيت الله الحرام لتأدية أهم مناسك الحج، يعتبر هذا العيد أيضاً ذكرى لقصة ابراهيم عليه السلام عندما أراد التضحية بابنه اسماعيل عليه السلام تلبية لأمر ربه لذلك يقوم المسلمون بالتقرب إلى الله في هذا العيد بذبح الأضاحي من الأنعام والأبقار والأغنام وتوزيع لحمها على الأقارب والفقراء. وعيد الأضحى وتوديع واستقبال الحج الشامي ثم تطبيق السنة في الختان وإيفاء النذور وغيرها. يحتفل أهل دمشق بصنع أنواعاً من الحلوى المشهورة على عادتهم في عيدي الفطر والأضحى، المعمول بالجوز والفستق والعجوة، بطقوس عائلية خاصة أو يشترونها قبل حلول العيد، كما توزع الصدقات وزكاة الفطر المفروضة على كل مسلم قبل صلاة العيد. ويأتي بائعي غصون الآس إلى المدينة في العيدين، وينتشرون في الشوارع، ليشتريها الناس ويحملونها إلى المقابر صباح أول أيام العيد قبل طلوع الشمس، ثم يزور الناس الخطباء والأئمة والوجهاء والأقارب . ومن المألوف أن يشارك كثيراً من المسيحيين جيرانهم ومعارفهم من المسلمين في التهنئة بالعيد . وعادة تحتفل الإدارة الحكومية بالعيد بمراسم رسمية، حيث تطلق حكومة دمشق المدافع إيذاناُ بانتهاء رمضان؛ ويودع هذا الشهر بالحفلات التي تجري في المساجد، وتزيين الدوائر الرسمية. وفي أول يوم للعيد، تصطف الفرق العسكرية أمام المسجد الأموي الكبير، وتقدم التحية للحاكم والقائد العسكري في المدينة، ثم تبدأ مراسم إخراج الشموع والزيوت المعدة لإرسالها مع قافلة الحج. يقول ابن طولون: (وفي يوم العيد وهو يوم الاثنين مستهل شوال منها، صلى الوالي العيد بالجامع الأموي والقاضي الشافعي كان، ولكنه صلاها على قاعدة مذهب أبي حنيفة، بعد أن تأخر الخنكار في مجيئه إلى أن ارتفع النهار كثيراً، واحتفل ... في هذا العيد احتفالاً عظيماً، حتى أحضر حلل الحلوانية وغيرهم للطعامات، وأطعم بعض الفقراء وغالب عسكر). تميزت مدينة دمشق بزينتها في الأعياد، فكانت الاحتفالات تعم أرجاء المدينة بأحيائها وحاراتها، فتقام الزينات، من الأعمدة الخشبية التي كانوا يأتون بها من الحواصل ومخازن الأخشاب، وكانوا يعلقون في تلك الزينات السجاد من المنازل، ويعلق على ذلك السجاد الآيات القرآنية والسيوف والتروس والرماح إضافة إلى بعد عناصر الإضاءة الفاخرة. وفي بعض الأعياد كـ(عيد المولد النبوي) كانت العراضات تخرج من كل حي باتجاه المسجد الأموي للمشاركة بالاحتفال الرسمي الذي يحضره المفتي ونقيب السادة الأشراف ومشايخ الطرق الصوفية وجمع غفير من الناس. وفي المساء ترش الأرض بالماء وتصف الكراسي أمام مسجد الحي في المصلبة (الساحة العامة لسوق الحي) ويحمل باعة العرقسوس قربهم ليوزعوها على الحاضرين ، تجري مختلف الألعاب بالسيف والترس وغيرها من الألعاب، وتوزع الحلوى على الناس. ومن المظاهر الأخرى خلال أيام العيد أن يخرج الأطفال بأفخر ملابسهم ويجوبون الأسواق، فيشترون ويفرحون ويطلقون المفرقعات ويركبون الحمير المعدة للتنقل لمسافات قصيرة، والعربات المجللة بالخيول والهوادج، أو يركبون القلابة ذات الأسرة الأربعة فتدور بهم دورات محورية، أو الدويخات ذات الأسرة المتنوعة الأشكال والخيول المصنوعة من الخشب.

مواضيع ذات صلة