الحكواتي .. وحكايات الشام العتيقة بقلم الباحثة المهندسة هلا قصقص

الحكواتي .. وحكايات الشام العتيقة بقلم الباحثة المهندسة هلا قصقص

الحكواتي أو الراوي أو القصّاص أو القاصّ، عادة شعبية تقليدية، وهو شخص امتهن سرد القصص، في الأماكن العامة وخاصة المقاهي، كان يحتشد حوله الناس قديماً، كان لا يكتفي بسرد أحداث القصة بتفاعل دائم مع جمهوره، بل يدفعه الحماس لأن يجسد دور الشخصية التي يحكي عنها بالحركة والصوت؛ والحكواتي في دمشق كان يحفظ الحكايات، ويلقيها عن ظهر قلبه، أو من الكتاب، كقصة عنترة والملك الظاهر وغيرها. وله في كل قهوة مكان مخصص لإلقاء الحكايات في صدر المقهى يجلس على سدة عالية مجللة بالسجاد ومزينة بأصص نبات وغالب أوقاته بعد المغرب، فيجتمع الناس في القهوة وتصغي لقوله مع السرور والانبساط. وقبل شروعه في الحكاية يحكي لهم مقدمة تسمى "الدهليز"، فيها أمور مضحكة. ثم بعد إتمامها، يشرع لهم في إتمام ما كان قدّمه في الليلة الماضية. لا يقتصر الحكواتي على المقاهي، بل يذهب لبعض البيوت بأجرة مخصصة تزيد عن الأجرة التي يتقاضاها عادةً، وأما أجرته في القهوة فهي نصف أجرة صاحب القهوة، لأن كل شخص يدفع لصاحب القهوة عشر بارات، ويشرب قهوة ودخاناً، فيأخذ الحكواتي نصف الحاصل. ويذكر لنا البديري الحلاق في أحداث سنة 1155ه/1742م أنه توفي سليمان بن الحشيش الحكواتي الذي " توفي أبونا ووالدنا وأستاذنا ومربينا سليمان بن الحشيش الحكواتي رحمه الله تعالى. وكان فريد عصره وزمانه، ووحيداً في فنه في أوانه. وكان يحكي سيرة الظاهر، وسيرة سيف وعنتر، وفي العربي والتركي، وله محفوظة قادحة، ومعرفة صالحة في كل فن، ومع ذلك أنه كان أمي، لا يكتب ولا يقرأ، وكان اشقر أبرص، شديد البياض، إلا أنه بحر خضم لا يخاض، رحمة الله." وتعد شخصية الحكواتي من الناحية الفنية والثقافية، من أهم الشخصيات العاملة في المقاهي، ولها دور رئيسي في إدارة المقهى، وإذا كانت بعض المقاهي الصغيرة تخلو من الحكواتي، فإن بعض المقاهي كان سبباً لجذب الزبائن، كمقهى النوفرة الذي ما يزال للحكواتي دور فيه حتى الآن.

وكان الدمشقيون يختارون الحكواتي الذي تتوافق براعته وسرعة بديهته وأسلوبه في الإلقاء والعبير، وتصعيد حبكة الأحداث وحلها مع تطلعاتهم ومزاجهم. وأثناء جلوسهم في المقهى للاستماع إلى الحكواتي ينقسمون بين مؤيد للبطل ومناصر له، ومخالف لذلك الموقف، وقد يبلغ بهم الحماس إلى الملاسنة والعراك. وكان الحكواتي بدوره يستغل هذه الظاهرة، فيصعّد الأحداث في السيرة، إلى أن يتوقف عند عقدة يكون فيه البطل في موقف حرج. ومن أهم السير والملاحم التي كان يقدمها الحكواتي: سيرة عنترة: تحكي سيرة عنترة أحداثاً تقع في شبه الجزيرة العربية ومحيطها حتى بداية عصر النبوة، وهي تصور ثارات القبائل العربية قبل الإسلام. وتعد سجلاً حافلاً لأحداث يستطيع المرء من خلالها تعرّف القبائل العربية التي ورد ذكرها في السيرة، وعاداتها وتقاليدها في الحرب، وتقسيم الغنائم وحظ العبد وحظ الحر منها. فضلاً عما تقدمه السيرة من بطولات عنترة وأخلاقه وعلاقاته مع قبيلته واعتباره مثلاً للإقدام والفروسية والتضحية. سيرة الظاهر بيبرس: طانت سيرة الظاهر بيبرس محببة إلى الدمشقيين، وهي تتقصى أخبار الملك الظاهر وتجعل منه محوراً للأحداث المتعلقة بالدولة المملوكية، وعملها على توحيد الصفوف للوقوف في وجه الصليبيين، كما تتوسع في قص أخبار الملك الصالح أيوب، الذي استقدم الظاهر بيبرس، وتكثر في هذه السيرة الوقائع والأحداث التي تزدحم بالرجال والنساء. سيرة الملك سيف: أما سيرة الملك سيف بن ذي يزن، فهي ترسم الوحدة العربية ممثلة بالبطل العربي اليمني الملك سيف الذي حارب الأحباش لتحرير اليمن. ويرجع نشوء هذه السيرة إلى القرن الخامس عشر للميلاد رغم أن أحداثها قبل الإسلام.

مواضيع ذات صلة