الجبال تنطق.. إنها مسرحية جبال الصوان بقلم الإعلامي مروان صواف

الجبال تنطق.. إنها مسرحية جبال الصوان ومن بداية الجسر نعبر إنها أولى المسرحيات " جسر القمر " وبنبض الحياة والمعرفة والموهبة نحيا "إنها مسرحية يعيش يعيش" ومع زاد الخير نناجي ونرجو شمس المساكين " لاتهملني لاتنساني – وينن – مسرحية ناطورة المفاتيح " , , وبروح الأمل – كل الأمل – نتوق للقادم في انتظار عبثي " مسرحية المحطة " ..

القدير منصور الرحباني وفي الذكرى العاشرة لرحيله في 13 يناير كانون الثاني 2009 - و في حوار تلفزيوني سبق الرحيل بثلاثة عشر عاماً وينشر مطبوعاً للمرة الأولى وفي أكثر من جزء ,,,,,, ,, بشّرنا بأن الحلم هو الصورة الفجرية للمعرفة ,, قال " إن كل مايجري هو الأقرب الى الغليان الذي يسبق التغيير ,, إنما كيف يحدث هذا التغيير ؟ ,, هل نكتب للأجيال القادمة وصيتنا " والوصية هو عنوان لواحد من أحدث أعماله " ,, بشّرنا بربيع سابع لكن متى ؟ ,, أفي مؤامرة مستمرة " هذا عنوان مسرحية أخرى " ؟ ,, ما أكثر الوقائع التي رواها الأستاذ منصور رحباني قبيل الرحيل عن عمر ناهز الرابعة وثمانين عاماً " 1925 – 2009 " وجلّها يرقى الى مرتبة الإجابة على أسئلة شاغلة من نوع: كيف يحدث التغيير " ومن أين ننهل و من أي نبع " ,, الإسم الذي واكب الحلم كان الأخوين رحباني ، إنما من كتب من الأخوين ومن لحّن ؟ ,, عاصي ومنصور رحباني , ما موقفهما من تأثير السلطة وشخصية الحاكم " أي حاكم" , وكيف يتبدى هذا الموقف في أعمالهما ،، رغم مضي ثلاثة وعشرين عاماً بين الرحيلين ، وانقضاء عشر سنوات على وداعنا للضلع الثاني في الجسم الرحباني ,, منصور ,, يظل السؤال عن تفاصيل العملية الإبداعية سرّاً مصانا ، فمن رحل – كما ظل منصور يردد وللحظة الأخيرة - فيه قدر منه ومن بقي فيه قدر من عاصي , وأما عن نبع الإبداع الذي نهلا منه، فمن روايات الجدة كما يقول منصور في لقائه و التي كانت أميّة لاتعرف القراءة والكتابة ولكنها ظلت خزّاناً للمعرفة بكل مافي الكلمة من معنى ,, ثم يأتي دور الثقافة المرجعية حيث استوحيا موسيقاهما من " التراث العربي والإسلامي ,, من الحضارة البيزنطية ,, من الفولكلور اللبناني تخصصاً والسوري شمولاً ,," وكلّها تيارات مشرقية ,, لكنهما تعمقا في دراسة الموسيقى الكلاسيكية والأعمال الغربية والتراث الموسيقي الإنساني أيضاً ,,,,

أكثر الحوارات التي أجريت مع الراحل الكبير منصور بدت متأثرة – كمنطلق - بديوان شعري له حمل اسم " أنا الغريب الآخر " ,, ولكني أوثر أن أنطلق من قول توّج به منصور رحباني مسرحيته التي سبقت الرحيل " الأيام الأخيرة لسقراط " ,, وهو ما عنوَن به اهداءه الذي شرّفني به في نسختي من المسرحية بكلمات تقول ,,," الى مروان ,, أقوى شي يلي ما بدّوا شي ,, " أقوى الناس هو المتحرر من طغيان أية رغبة ,, من لا يريد شيئاً ,,,

ومن هنا وجدت ذاتي أتوجه برفقة طاقم العمل الى حضن بيت الأستاذ القدير منصور رحباني العامر في أنطلياس ببيروت في شتاء عام 1996 – شباط فبراير لأبدأ الحوار ,,,,

مروان صواف , & - أهلاً وسهلاً أستاذ منصور رحباني ,, واسمح لي أن أبدأ سؤالي بالقول " نعم ، بشّرتنا كجيل بالتغيير ، هذا الجيل الذي يكبر الفنان زياد رحباني بقليل ويصغر الفنان الياس رحباني بكثير , حملت لنا البشرى بأن كلّ ما يجري هو الغليان الذي بسبق التغيير ، إنما هل يشهد جيلنا التغيير حقاً ,, أم أن علينا الإنضمام لمن انتظروا القطار الذي وعدتهم به ابنة بلدهم " وردة " في مسرحية المحطة ؟ && -

أهلاً بكم في بيتنا في أنطلياس أولاً " يبادرنا الأستاذ منصور ,, نحن الآن في الإنتظار ما نزال ، ولكني أومن أن التغيير عامل داخلي وليس خارجياً ، ولا يكتمل ولا يحدث التغيير إلا إذا اكتملت ظروفه فينا وداخلنا ولذلك " ايمتى يحدث التغيير مابعرف " إذا لم تتغير حتى الترابات من تحت أقدامنا لا يحدث التغيير ,, إنما دائماً هناك أمل " الإنسان عندو أمل ولديه فرح الحياة ولديه التباشير بولادة أجيال جديدة " ,, تسألني متى يحدث التغيير " إيمتى " ؟ ,, في كل مدة وفي كل فترة ثمة تغيير وتبدّل في الحياة , التغيير لايحدث مرة واحدة ، يحدث في كل دورة من الزمن ,, كل واحدة تبدأ جديدة ثم يدركها الكبر والهرم وتغدو عتيقة و" بيصير لازمها تغيير " ,, وهكذا تستمر الحياة ، وكي نحافظ على التآلف والتجدد في كل مرة – أو في كل مرحلة – يجب أن نتغير ، نحن أو الأجيال التي تلي ، لا شيء يتسم بالثبات &

سؤال - وكي نتمتع بالمقدرة على التآلف والتكيف ونحافظ على جوهرة التغيير لابد أن نكون مسكونين بهموم أجيال ومنذ قرون ,, الأستاذ منصور ، صحيح أنك من مواليد عام 1925 ولكنك مسكون بهموم أجيال ، أنت من تحدث عن تيارين معرفيين ( تيار تواصلي وتيار ثانِ إنقلابي ) ,, أنت والراحل الكبير عاصي ,, فنكم تواصلي أم فن إصدار بيانات " بيان رقم واحد تعلنه الفتاة غربة في مسرحية جبال الصوان ، البيان رقم إثنان تعلنه الفتاة هيفاء في مسرحية يعيش يعيش 1970 ,, فن الأخوين رحباني الى أين نستطيع أن نمضي به ؟ &&

- جواب الأستاذ منصور ,, الفن دائماً ابن الحضارة والحضارة تواصلية وليس فيها انقلابات ,, في ميادين العلم مثلاً هناك البلاغ الطبي رقم واحد ومفاده إن هذا الدواء يشفي هذه الحالة أو تلك ، ثم يظهر بلاغ طبي لاحق مختلف عن الدواء ذاته يقول " لاتستعملوا هذا الدواء ، فإن له انعكاسات وتأثيرات اكتشفت مجدداً وإن له مضاعفات قد تبدو خطيرة " ,, وأما في الحضارة فليس هناك عامل يلغي الآخر ، ولا تنضج الحضارة إلا على نار هادئة تضيء عبر أجيال ، وليس هناك إنسان او عطاء يلغي الآخر مهما بدت طريقته أو هويته مغايرة قليلا أو كثيراً ,, هذا غير وارد على الإطلاق في البناء الحضاري ، البناء الحضاري لايكتمل دفعةً واحدة ,, العملية أشبه بالعمارة الحضارية الكبرى ,, يأتي معماري بنّاء وينشئ صفاً من الحجارة أو جداراً أول " يبني مدماكاً " ثم يمضي فاسحاً المجال لمعماري آخر ليكمل ما أقامه الأول ,, هذا هو فن الأخوين رحباني ,, هو فن تواصلي ,,

أذكر أن الأستاذ منصور استشهد ذات يوم بقول لونستون تشرشل إبان الغزو النازي لبلاده ، قال " أنا ذاهب لأنام الآن ,, أيقظوني عندما يصل هتلر ",, && - لا توقظوني إلا إذا جاء هتلر وليس قبل ,,, & - تماماً ,, كيف للفنان أن يبدع وعدوه على الأبواب ,, لطالما طرحنا هذا السؤال القديم الجديد : ماشكل الفن الذي يولد في زمن النزف والنار ؟ ,, ماشروط ولادة الفن برأي الأستاذ منصور ؟ &&

- ليست هناك شروط لولادة الفن ، ما من قاعدة على الإطلاق , يولد الفن في الخراب ويولد في ظل الحروب ، ويولد أيضاً في الزمن المترف ,, يأتيك إنسان عانى كثيراً " إنسان معتّر" ويبدع فناً ولكن هذا لايعني التعميم بالقول إن سمة الفن " التعتير " وأن على الفنان أن يكون مسكوناً بهاجس الحزن والمعاناة – ومعاناة أخطار الحروب ضمناً – " مش شرط أن يعيش الفنان تعاسة ليبدع فنه " ,, التعاسة ليست سمة الخلق والإبداع بالضرورة ,, أنا أومن أن الفنان الخلاّق ينبغي أن يكون منصرفاً لعملية الخلق ولا يضطر لمقاتلة الظروف بحثاً عن اللقمة والرغيف وسعياً وراء القرش واقعاً في بحر العوز حائراً كيف يأتي برغيفه والدواء لأطفاله مثلاً ,, كيف أبدع وهاجسي لقمتي ولقمة أطفالي ؟ ,, ربما أعطاه هذا الهاجس شحنة ولكنه لايعطيه الإمكانية على مواصلة العطاء .. أقول مؤكداً إن الحاجة ليست أمّاً للإبداع بالضرورة ,, أنا ضد أن يكون منبع الفن والإبداع التعاسة وشظف العيش ,, إذ يكفي الإنسان أنه جاء مرة الى الوجود ليعيش التوافق مع الخير متصالحاً مع الوجود ، وليس ليمضي حياته وهو يكافح ويبحث " كيف سيرد أذى الدولة عنه مثلاً " كيف سيواجه الضرائب أو كيف سيعثر على رغيفه فرضاً ,, لنأخذ موتسارت مثلاً أو سباستيان باخ كانا محتضنيين من قبل الحاكم ، مثلاً كان ولفجانج أماديوس موتسارت رفيقاً للأمير الذي يدفع له كي يؤلف موسيقاه ,, لا أستطيع أن أقبل هذا في يومي لأن المنتج الوحيد الممول لي ولفني أصبح الشعب ، وهو الذي يقبلني ويباركني أم لا ,, لا أقبل أن يكون الفنان والحاكم في حالة " أنكجيه " ,, && - أنا نائب بصوت الناس يا أستاذ منصور ، صارخ بآلامهم ,, والشعب هو المموّل الوحيد لفني ,, لماذا أريد أن ألعب دوراً أكبر من دوري ؟ ,,

اسمح لي أن أقترب من هاجسك هذه الأيام ، وأن أسألك بجرأة من عشق أعمالك ,, لماذا تطمح أن تكون نائباً في البرلمان هذه الأيام يا أستاذ منصور ؟ && -

لا أعرف تماماً فيما إذا كنت قادراً على إتمام هذا المشروع ,, إذا وصلت ووجدت أن النيابه ستشغلني عن الفن والإبداع " والنجاح في النيابة إبداع أيضاً " فإنني سأعود الى قواعدي قائلاً : لا لن أقبل هذا ,, وسأفضل عندها أن أبقى مفيداً لشعبي من خلال فني وأن أظل متحدثاً عن آلامه وأفراحه ,, إنما دعني أتوقف عند سؤالك " ما الذي دفعني للتفكير في النيابة ؟ ,, عندما انهارت الطبقات واكتملت تعاسة البشر ، فكّرت أن بإمكان الإنسان أن يحقق شيئاً ما وأن يأتي بأفكار مغايرة وهذا هو كل شيء ,, أقوم بهذا من أجل الاخرين ولإسعاد الآخرين وهذا جزء أساس من رسالتي الفنية ,,,, &

- وماذا لو طغى طموح السياسي على إبداع الفنان ,, ألا يخشى الأستاذ منصور هذا ,, && - أخبرتك ,, إذا حدث هذا فكل شيء منتهٍ بالنسبة لي ,, لن أسمح بهذا وسأتخلى فوراً , فالإبداع الفني هو الأبقى ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, & - الأستاذ منصور رحباني ,, كزائر يتشرّف بحوارك عايشت أعمالكم ،، أستطيع القول مثلاً إن شخصية الحاكم استوقفتني ,,, الوالي في صح النوم ,, الإمبراطور في مسرحية يعيش يعيش ,, غيبون الملك في ناطورة المفاتيح ,, الملكة شاكيلا في مسرحية بترا ’’ وغيرهم ,, بالمجمل ووفق تصورك ,, من الذي يقود الآخر الى جزيرته في أعمالكم ؟ , الحاكم هو الذي يرقى لمستوى نبل الفنان ، أم أن الفنان يتعلم القمع من الحاكم ,, لقد ظل السؤال طليقاً ولسنوات مديدة " هم والحاكم ما حكايتهم حقيقة ,, هل السمة العامة للحاكم في أعمالكم هي التصالحية كما الحال في مسرحية ناطورة المفاتيح مثلاً ؟ ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, &&

- جواب الفنان منصور رحباني :: أخال هذه الأشياء لا قيمة لها ,, هناك حكّام عظيمون وهناك العكس بالبداهة ,, دعني أتكلم بالمطلق ودون أن أسمّي أحداً ,, هناك حكّام مهمون جداً ، ثم إن عليك أن لا تنسى فن الحكم بحد ذاته ,, الحاكم فنان كبير أحياناً في أدائه,, والسؤال كيف يحكم أولاً وآخراً ,, إنما القول الحاسم في العلاقة بين الإثنين هو " إن الفن أبقى وأصلح ، ولست أنكر دور المصلحين العظماء الذين قدّموا إنجازاتٍ باقيةً أكثر من الحكام أنفسهم ,, ربما واجهوا أعداء لا يخلو الأمر ، واحتمال أن يكون التاريخ قد أنصفهم أو ظلمهم ,, إنما في الحالتين تركوا بصمات لدى البشرية وعلامات في التطوير الإنسان .

يستمر الحوار مع الأستاذ منصور رحباني في جزء قادم ,, عن ماهية الحلم الرحباني والوطن الرحباني " هل تبدت هوية لبنان في أعمالهم مثلاً ,, هل بدت الصورة وردية والعلاقات بين الشخوص شبه مثالي ، وعن ماهية الزمن والرمز في أعمالهم ,, وعن الصورة الفجرية للمعرفة ,, ولو كان للعلم مقدرة على إنطاق الورق لآقترب المرء من واقع ذاك الحوار التلفزيوني المديد أكثر بمشاهد ذات دلالة ,,,,,,,,,,,,,, تم التصوير في منزل الأستاذ منصور رحباني,, وقام فريق العمل بالتصوير على امتداد ساعات ,, أنتج السهرة التلفزيون العربي السوري في ذاك الوفت وأخرج اللقاء الذي حمل اسم وجهة نظر المهندس أسامة خليفاوي ,, شتاء 1996 – أنطلياس – بيروت ,, حوار مروان صواف ....

مواضيع ذات صلة