أوطان صغيرة على أرض المهجر

بقلم الكاتبة أمينة الزغبي

خلق الله الأرض وما عليها من كائنات مختلفة الألوان والأشكال، لكنه سبحانه وتعالي كرم الإنسان على سائر مخلوقاته وميزه بالعقل وأمره بالسعي لطلب الرزق، فقد قال سبحانه: (فاسعوا في مناكبها وكلوا من رزقه)، وإذا ما شعر الإنسان بضيق الرزق وعاني من ذلك، فليس عليه أن ييأس أو يقنط من رحمة الله الذي أمره في هذه الحالة بأن يرحل إلى مكان آخر سعيا وراء رزقه ورزق من يعول حينما قال سبحانه وتعالي في كتابه العزيز: (وآخرون يضربون في الأرض) أي يسافرون (يبتغون من فضل الله) أي يطلبون الرزق.

فالهجرة إلي بلد آخر هي نوع من السعي وراء الرزق، وهي بناءً علي ما تقدم شيء محمود من قبل الله، والهجرة في القاموس تعني: الخروج من أرض إلي أخري، وتعني أيضاً: انتقال الأفراد من مكان إلي آخر سعيا وراء الرزق، وهناك أسباب أخري للهجرة مثل: حدوث الحروب والكوارث مثل الزلازل والمجاعات والصراعات الداخلية في بعض البلدان، وقد تكون الهجرة شرعية أو غير شرعية، وهذه الأخيرة لها عواقب وخيمة وغير محمودة، وأي كانت أسباب الهجرة ففي النهاية المهاجر هو شخص مغترب ترك وطنه وأتخذ غيره موطن له، ومهما حاول أن يخفي شعوره بالحنين لوطنه الأم وما يحتويه من أهل وأقارب وأصدقاء، ويتظاهر بالقوة والتماسك النفسي والوجداني الذي قد يتخلى عنه حينما يختلي بنفسه بعيدا عن أعين من حوله ويترك العنان لدموعه المختزنة تنطلق من محبسها شوقاً وحنيناً إلي عالمه الذي هجره إلي هذا العالم الجديد..

وهناك بعض الأوقات التي يظهر فيها الحنين إلى الوطن بطريقة لا إرادية.. لا يستطيع المهاجر أن يتحكم فيها مهما حاول! من هذه الأوقات وأهمها (الأعياد الدينية) وهي بالنسبة للمسلمين تتمثل في عيدين هما:( عيد الفطر وعيد الأضحى) وقد أسعدني الله أن أتواجد في كندا لزيارة ابني المهاجر هذا العيد ــ عيد الأضحى المبارك ـــ وقد فوجت به وزوجته يخبرونني بأن هناك تجمع لكل الأصدقاء المصريين في أول أيام عيد الأضحى في أحد المنتزهات التي تطل على أحدي البحيرات وهو (ماري كرست بارك)، وحينما سطعت شمس صباح أول أيام العيد وذهبت مع ابني وأسرته إلى البارك الذي لا يبعد كثيرا عن المبني السكني الذي يقيم فيه، وكان الطريق كله خاليا من أي مظاهر للعيد.. أما داخل البارك فقد كان الوضع مختلف تماما.. كانت رائحة الشواء تملأ المكان الذي امتلأ بالزائرين اللذين تواجدوا فيه على شكل مجموعات كل مجموعة من بلد ما، مختلفين في اللون واللغة واللهجات المتعددة، لكن ما يجمعهم هو الاحتفال بقدوم عيد الأضحى المبارك بارتداء الملابس الجديدة ذات الألوان الزاهية، وكذلك شواء اللحم وتصاعد الأدخنة ذات الرائحة المميزة الشهية، والمرح والبهجة التي جمعت ما بين أطفال كل جالية على حدي.. وقفت طويلا أمام هذا المشهد الرائع وأنا اجلس بين أصدقاء ابني من المصريين، وعلى بعد خطوات مجموعة من السوريين، وأخرى من العراقيين، وثالثة من الباكستانيين، وغيرهم من الجاليات المسلمة التي خلقت لنفسها بهذه التجمعات أوطان صغيرة تشعرهم بالألفة والمحبة وتذيب بعض من مشاعر الحنين للأوطان الكبيرة حتى وإن لم يعترفوا بذلك.

أدام الله جمعكم في الخير وكلل جهودكم عل أرض كندا الحاضنة للجميع بالتوفيق والنجاح إن شاء الله رب العالمين.

كل عام وكل مغترب مهاجر كان أو زائر بألف خير وصحة وسعادة.

تقدمة خاصة لأيام كندية

مواضيع ذات صلة