أما آن الآوان لنهوض هذه الأمة!! بقلم معتز أبوكلام

أما آن الآوان لنهوض هذه الأمة!! أمة لديها كل مقومات النهوض لكنها لا تنهض!! إشكالية غريبة ولعلها مؤامرة مبيته. لا شك أن العيب ليس في شباب هذه الأمة فما لدى شبابها من وعي وحماسة وما لدى شيبها من خبرة وجلادة كفيل بأن يصنع نهضة حقيقية لا تقل عن النهضة الغربية بشيئ. لن أكتب كلاماً إنشائياً لأحث القارئ على التقيد بالثوابت والقواسم المشتركة، ولن أحمس الشباب لمزيد من التدين والتكلف، فالأمة متدينة بما يكفي وكل هذا ليس من العوامل الرئيسية لنهضة الأمم، إن نهضة أي أمة يبنى على ركيزتين أساسيتين أولهما التعليم وثانيهما التحلي بالقيم الإنسانية العليا. فبالعلم تزدهر الأمم وبالأخلاق الرفيعة تتجمل. والتحصيل العلمي والمعرفي مسؤولية كل فرد والمعرفة لا تقتصر على مجال دون غيره بل تشمل شتى مجالات الحياة ابتداءاً من إتقان الحرف البسيطة حتى أدق التخصصات والعلوم. إن أي نهضة لا تسمى نهضة مالم يساهم جل أفرادها في تشكيلها ورسم معالمها، إذ هي ليست مسؤولية فرد بعينه مهما كان شأنه ومنزلته، سواء كان عالماً أو حاكماً مخلصاً أو بطلاً شعبياً مغواراً وهي ليست مسؤولية فئة من العلماء والعباقرة فحسب، بل هي مهمة مُركّبة مجزئة تقع تفاصيل تحقيقها على عاتق كل فرد مهما صغر أو كبر دوره في المجتمع. فالطالب المتفوق في مدرسته وجامعته، والمعلم المخلص والمتمكن من مادته، والعامل المجد في مكان عمله، والطبيب المتمرس، والمهندس المبتكر، والفنان المبدع، والمسؤول المؤتمن، أضف إلى ذلك وجود الدساتير والقوانين العادلة وأخيراً وليس أخراً وجود الحاكم الغيور على شعبه وبلده كل اولئك معاً يساهموا في دفع عجلة أي نهضة كما يدفع المحرك وعجلات القطار مقصوراتها. إن الدور المنوط بالأفراد هو كدور النحل في بناء الخلية وهو يشبه حبات المطر حين تتكاثف وتتجمع مع بعضها البعض لتشكل المحيطات الواسعة والينابيع العذبة، ويشبه قطرات الندى تتقاطر فوق أوراق النباتات والشجر تغذيها لتخرج منها الثمار اليانعة. ولعل بلاد الشرق والشعوب العربية عموماً هي من أكثر الشعوب قابلية لبناء النهضة وبصمتها في بناء الحضارة الإنسانية قديماً ما تزال راسخة في ذاكرة التاريخ لا تُنسى، فبالإضافة للقواسم المشتركة فيما بين هذه الشعوب، وبغض النظر عن الأزمات التي تعصف بها لأسباب تعرفونها ولا مجال لذكرها الآن، تجدها شعوب تحمل بعضها بعضاً. ومثال على ذلك الشعب السوري، إذ ترى في هذا الشعب العريق تكاملاً وتكافلاً ندر مثيله، تجد فيه العامل والفلاح والمعلم والمهندس والطبيب والصيدلي والبيطري والخباز واللحام والنجار والسكري والحلواني الميكانيكي والحداد والدهان والصباغ والسباك، وهناك من أبدع في مجال التقنيات والعلوم الحديثة والدقيقة وتوابعها وتجد في هذا الشعب الحي، الذي اخترع مصطلح "لبن العصفور"، كل ما يمكن أن يخطر على بال أحدنا من فنون وعلوم شتى وعن التجارة والصناعة حدث ولا حرج. ولعل معظم الشعوب العربية كذلك، وأعتقد شعوب كهذه حري بها أن تساهم بمسك دفة الحضارة يد بيد مع الشعوب المتقدمة الأخرى، فلماذا إذاً حرمت هذه الشعوب من الإسهام في هذا الدور النبيل وهذا الواجب الإنساني المشرف؟؟ برؤية متواضعة تجد أن المشكلة تكمن في مسائل هامة لم نوليها الإهتمام والعناية الكافية، كسوء المنظومة التعليمية وشح مراكز البحث العلمي وعدم تحفيز التفكير الإبداعي لدى الشباب ولجم الحريات، ولعل أهم أسباب التأخر أيضاً هو سوء التخطيط والإدارة، وكل ما ذكر هو مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الأفراد بالمجمل وعلى عاتق المتحكمين بمقدرات هذه الشعوب على وجه الخصوص، والمسألة هي إنعكاسية، فالشعوب الخمولة والمتبلدة والفاقدة لأي دافع يحركها لن يستطيع أي محرك خارجي أن يدفعها إلى الأمام مهما كان المحرك عبقرياً أو وطنياً. ومن ناحية ثانية، الشعوب التي ضمرت حرياتها الفكرية والإبداعية ولم يُسمح لها بممارسة الديمقراطية، من الصعب بمكان أن يكون لها دور بارز في بناء أي حضارة. فالحضارة التي لا يبنيها رجال ونساء أحرار حتماً ستنتج لنا حضارة مشوهة لا تصلح إلا للعبيد. ومن ناحية ثانية، وبعد الثورة الرقمية والمعلوماتيه الهائلة التي يشهدها العالم كل يوم، أفل نجم كل الدوافع والشعارات القبلية والقطرية والقومية والشمولية بلا رجعه وحلت محلها دوافع وطموحات شخصية بغض النظر عن مدى نبل هذه الأهداف وغاياتها. وما أريد أن أصل إليه هو أن المحرك الرئيسي للإنسان في العصر الحديث إنما يكمن في دوافعه ورغباته وتطلعاته الشخصية وهي التي تحدد ملامح مستقبله بالمجمل، وبالتالي فإن تطلعات ههذه الشعوب ستحدد بشكل أو بأخر مستقبل بلدانها خيراً كان أم شراً، علماً كان أم جهلاً، تقدماً كان أم تخلفا. ومثال بسيط على ذلك، الشعوب التي دأبت على التحصيل والإبداع العلمي والمعرفي ستنتج لنا بلداً مثل اليابان وكوريا الجنوبية، بينما الشعوب التي لا تبالي برمي المهملات في الطرقات تساهم معاً في تحويل طرقاتها إلى مذابل وقس على ذلك، ولكي نتقي ونقلم الأعشاب الضارة في أي مجتمع ولكي نقطف الثمار الطيبة والصالحة فيه، لا بد أن يكون العلم والتعليم والأخلاق العليا والغيرة على المصلحة العامة هي ديدن الشعوب ومرامها على الدوام. ختاماً إن الشعوب الشرقية والعربية هي شعوب حية ومعطاءة بفطرتها. ولكنها تخلفت ردحاً من الزمن ولا سبيل أمامها للعودة إلى ركب الحضارة من جديد إلا من خلال ما ذكر أنفاً ولن نعول كثيراً على حكام الشعوب في إرساء أي حضارة أو تقدم فكما يبدو هم تؤرقهم هموم أكبر من هموم شعوبهم.

مواضيع ذات صلة