فن الجهل.. وصناعة التجهيل

..استاذي بمادة التاريخ جون سويني قال لي ذات يوم رأياً لم أصدقه آنذاك عن علم الجهل، وعن تخصص فرعي في التاريخ اطلق عليه psycho-history، أي التاريخ النفسي.
كان ذلك عام ١٩٧٦ !!! كنت كثيراً ما أردد في نفسي مقولة:
هل هناك علم أسمه علم الجهل والتجهيل، مثلما يوجد علم اسمه الفيزياء أو ما شابه ؟ 
وكيف للعلم أن يكون مُجهلاً؟
بقيت على رأيي هذا إلى أن أخبرني صديق أمريكي يعمل في مؤسسة راند البحثية Rand Corporation، بأن هناك مؤسساتٍ، تابعة لحكومات دولٍ عُظْمَى، ومنها حكومة الولايات المتحدة، متخصصة بهندسة الجهل وصناعته وتغليفه بأرقى الأشكال، و تسويقه على نطاقٍ واسع ...
حسب رأي صديقي مستهلكو سلعة الجهل بكل مجتمع ثلاث فئات:
1-   البسطاء بالمجتمع، وجلهم من الأقليات الاجتماعية والدينية وعمال البلديات، وبسطاء المناطق النائية و الريف، وعمال المزارع، وما شابه هذه التصنيفات. 
لكن الفاجعة التي ألمت بي كانت شمول معلمي المدارس وأساتذة الجامعات في الفئة المستهدفة من هذه السلعة الملعونة. 
وحسبما قال صديقي: تصل نسبة هذه الفئات في الولايات المتحدة وحدها ٩٠٪‏ من مجمل السكان، جنود القتال الأمريكيين ينتمون لهذه الفئة!!..
2-   بعض المتدينون المؤمنين بالقَدَرية، وبأن الإنسان مسيّير وليس بمخيّر، الذين يأخذون من الأديان ما يتفق مع أهوائهم ويفسرونه بطرق تمكنهم من الظواهر العلمية، يقع على عاتق هؤلاء مسؤولية تجهيل أكبر عدد ممكن من الناس من أصحاب الميول الدينية ...
3-   المغفلون الذين يعملون في الحكومات، وعلى وجه الخصوص حكومات الدول الفقيرة، وبالتحديد فئة التكنوقراط (الفنيين) الذين يقدمون النصح والمشورة لمتخذي القرار في دولهم. 
فيتم تدريب هؤلاء "دون علم منهم" على تسويق الجهل وتبريره تحت مسمى النظرية والعلم والإمكانيات والموارد، ويأتي بمقدمتهم المعنيون بالشأن السياسي و الاقتصادي، إذ تنحصر مهامهم في بث روح اليأس في نفس صاحب القرار من إمكانية الإصلاح وممارسة الكذب والكذب والكذب على عامة الناس وترسيخ الأكاذيب في أذهان العامة على أنها حقائق لابد أن يدافعوا عنها ...
من أخطر ما قاله صديقي، بأن بث العداوة بين الأشقاء يندرج تحت صناعة وتسويق الجهل، وهو ما اجتهد به صانعو الجهل منذ العام 1906!!
 
أيام كندية تشكر صاحب هذه المقالة رغم عدم معرفته.

مواضيع ذات صلة