القصر المشيد.. بقلم معتز أبوكلام

القصر المشيد.. بقلم معتز أبوكلام

توفي الجد الأكبر وتوفي الأولاد والأحفاد وخلفوا لأولاد وأحفاد من بعدهم تركة مهولة كانت عبارة عن قصر مشيد واسع الأرجاء عالي الأسقف والقناطر والجدران، عاش الجميع في كنفه ردحاً من الزمن. وبعد زمن بعيد ورث القصر أولاد وأحفاد جدد وأرادوا أن يعيشوا في كنف قصر أجدادهم من جديد. نظر بعضهم إلى جدران القصر وقد أهترأت وتعرت أوصالها ولبائنها فظهر قشها وتبنها وقد أكل ما عليها الدهر من زخارف وصور ثم مشوا في ردهات القصر وممراته وفسحاته فوجدوا أن التوزيع الداخلي للحجرات بما فيها من أبواب وشبابيك وخزائن ومفاتيح لم تعد مناسبة لسكان هذا القصر المهيب، ثم نظروا عالياً إلى الأسقف وقد تقوصت وتآكلت أعمدتها وبدت آيلت للسقوط، ناهيك عن الأثاث والأسرة التي لم تعد قابلة للإستخدام، ثم حدقوا خارجاً فوجدوا أن الطرق المؤدية لمداخل القصر تحتاج لإصلاح كبير وإعادة رسم وتنظيم حتى يستطيعوا استقبال ضيوفهم وركن عرباتهم بإنتظام خارج القصر المنيف.

لكن إخوانهم وشركائهم كانوا ضد فكرة إصلاح القصر، فهم فخورون متمسكون بما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم من عراقة وأصالة ويصرون على أن يبقى كل شيئ على حاله، وكلما فُتح نقاش حول تجديد قصر العائلة الكبيرة والإستفادة من موقعه الإستراتيجي وأساسات بنائه ودعاماته القوية المتينة، وأحجاره الصلبة القوية ليُبنى عليها من جديد كان النقاش ينتهي إلى جدال عقيم، وكل طرف يحاول أن يفرض على الطرف الآخر وجهة نظره، مرة بالترغيب ومرات بالترهيب، حتى تحول الجدال بين الأخوة إلى عداء كبير وبدلاً من أن يكون ذلك القصر المنيف جامعاً لهم، أصبح مدعاة للشقاق والفرقة، واستفحل الخلاف بين الأخوة وأصبح صراعاً تتوارثه الأجيال جيل بعد جيل.

.. صورة تشبيهية تعكس إلى حد بعيد الصراع الدائر بين التقليدين التراثيين من طرف والإصلاحين المجددين من طرف آخر. رأيت أن أبسطها من خلال هذه القصة الرمزية

ويسعدني فتح المجال لحوار راقي بين التراثيين والمجددين.

مواضيع ذات صلة