الطربوش الدمشقي.. تاريخ وحكاية زمان لم يبقى منه إلا الذكريات

▪︎صناعة يدوية دمشقية انقرضت منذ عشرات السنين
 
 
كانت مهنة صناعة وتفصيل الطرابيش إحدى المهن اليدوية التي تشتهر بها مدينة دمشق خصوصا في أسواق المرجة والميدان وباب الجابية وغيرها، وكان العديد من الدمشقيين في منتصف القرن الماضي يسارعون إلى إرسال أبنائهم لتعلم هذه المهنة لدى معلمي خياطة وتفصيل الطرابيش، حيث كانت تؤمن لهم دخلاً مادياً جيداً كما تساعدهم على التعرف على بكوات وباشاوات وأفندية أيام زمان، حيث كان هؤلاء الزبائن المفضلين لمفصلي ومصنعي الطرابيش.
ولكن في الخمسين سنة الأخيرة تغير الحال ولم تعد للطرابيش شعبيتها. وممن يتحسرون على ضياع مهنة الطرابيش أبو خالد ـ أحد أقدم صانعي الطرابيش في دمشق ـ الذي كان محله في ساحة المرجة بدمشق يعج بالزبائن.
الحاج أبو خالد يتحسر على تلك الأيام بعد أن انقرضت هذه المهنة منذ أكثر من أربعين عاماً بسبب تخلي معظم الدمشقيين عن اعتمار الطربوش كغطاء لرأس يتباهون به.
وقال أبو خالد لـ«الشرق الأوسط» اضطررت لبيع محلي في المرجة بعد أن عزف الناس عن شراء الطرابيش، ونقلت القوالب وأدوات المهنة إلى منزلي حيث مازلت أعمل ولكن بشكل محدود، ولم يعد هناك من يطلب الطربوش لغايات الأناقة والضرورة التي تمليها المكانة الاجتماعية للشخص، وزبائننا حالياً هم منتجو المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية التي تدور احداثها في القرن الماضي ويطلبون مني أن أصنعه بأرخص الأسعار لأنهم سيتلفونه بعد انتهاء تصوير المسلسل.. كذلك من زبائني حالياً بعض أصحاب محلات أسواق الحميدية ومدحت باشا والمهن اليدوية بدمشق والذين يشتغلون في بيع التحف الشرقية والانتيكات حيث أصبح الطربوش فلكلوراً ولذلك يقبل البعض على شرائه من هذه المحلات للعرض والزينة ويشتريه السياح لشكله الفلكلوري.
ومن الزبائن الدائمين أعضاء فرق المولوية وهم الذين يؤدون الرقصات والموسيقى الصوفية الدينية الشهيرة في المناسبات الدينية وخاصة في شهر رمضان. وطرابيش هؤلاء مميزة من حيث شكلها الذي يتناسب مع حركة الراقص ولباسه الفضفاض، فالطربوش هنا طويل جداً فوق الرأس ولذلك يصنع من خلال قالب نحاسي خاص، وطرابيش المولوية أغلى ثمناً كونها تصنع بشكل فني متقن.
«أبوحسن» مصنع آخر للطرابيش مازال مصراً على العمل في هذه المهنة بل وتعليمها لولده حسن ولزملاء حسن من أهل حارته وهو يملك ورشة صغيرة في سوق مدحت باشا الدمشقي، ويقول حول هذه المهنة إنها لا تجعل صاحبها ثرياً ولكنه يعيش مستور الحال وتبقى أفضل من أن لا يعمل الانسان، كما أنه يساعد على الحفاظ عليها كحرفة يدوية لن تنقرض في السنوات القادمة. ويقول أبو خالد إن هناك نوعين من الطرابيش اشتهرا في سورية هما الحلبية والدمشقية، ويضيف واصفا عملية تصنيع الطربوش «كنا نستخدم فيها القش المستورد من الصين لتغليف الطربوش من الداخل كما أننا نستخدم الجوخ النمساوي المستورد ونقوم بصنع الشرابة الخاصة بالطربوش من أجود أنواع الحرير، وكانت لدينا قوالب نحاسية خاصة لصنع الطرابيش. وحول الألوان المستخدمة يقول أبو محمد: «اللون الأحمر الغامق يصر عليه الكبار حيث يعطيهم اتزاناً وأناقة أكثر، وحاولنا استخدام اللونين الزيتي والأسود ولكن لم يلق الطربوش الزيتي أو غيره من الألوان أي تجاوب من الزبائن، وهناك اللون الأحمر الفاتح وهذا يصنع فقط للأطفال كونه لونا مفرحا ويسعد الأطفال». أما المقاسات فكانت تؤخذ بقياس رأس الزبون بواسطة مازورة لتفصيل الطربوش حسب مقاس الرأس، ولكن حالياً ومع فقدان زبائن الطربوش الأساسيين واختصاره على الدور الفلكلوري فاصبحت الطرابيش تصنع بمقاسات محددة. وكان الزبائن يبدلون طرابيشهم مرة كل عام على الأقل لأن حرارة وبخار الرأس تسبب تلف الطربوش بسرعة.
أما الطريقة المثلى لاعتمار الطربوش فهي بجعل الشرابة على الجهة الخلفية من الرأس وذلك للمحافظة على ملامح الوجه مع ضرورة المحافظة على الوقار. وقد دخل الطربوش بلاد الشام في الفترة العثمانية مع الأتراك وانتقل إلى مصر بعد وصول ابراهيم باشا إلى أرض الشام في حملته المشهورة أواسط القرن الثامن عشر. وتتباين الروايات حول الموطن الأصلي للطربوش فالبعض يؤكد أنه النمسا ودخل إلى تركيا فيما بعد، وهناك من يقول إنه بدأ منذ 300 سنة بالظهور في بلاد اليونان والبانيا واستقر في تركيا في ظل الدولة العثمانية وبالتحديد في عهد السلطان سليمان القانوني، ومع صدور فرمانات تعميم الطربوش على الرسميين من أبناء السلطة فقد تهيبه الكثيرون كزي بروتوكولي إلى أن أصبح زياً شعبياً. ويقال إن الطربوش كانت تستخدمه نساء الالبان واليونانيات، ويروى أن أحد الولاة العثمانيين كان في مجلسه وحوله جواري فقامت إحداهن وهي ألبانية ترتدي الطربوش بوضعه على رأس مولاها مداعبة فراق له ذلك وانتقل الطربوش من النساء إلى الرجال. لقد ألغت ثورات عديدة الطربوش كونه يرمز إلى حقبة تاريخية قديمة أو إلى الاقطاع فأثناء ثورة كمال أتاتورك في تركيا أصدر قراراً بعدم اعتمار الطربوش، وثورة يوليو في مصر قررت إلغاء الطربوش لأنه رمز لعهد الاقطاعية.
 
دمشق: هشام عدرة
الشرق الأوسط 
أيام كندية 

مواضيع ذات صلة