محمد الطراد..من بدوي يرعى الأغنام في الرقة إلى أكبر مقاول ورجل أعمال في فرنسا والعالم

"يقولون أني فرنسي من أصل سوري، أنا لا أنكر أصلي، ومتمسك به، ولكني أصبحت فرنسياً، وهذه الثنائية الموجودة لدي صنعتني" بهذه الكلمات يبدأ محمد الطراد حديثه بعد أن أصبح أحد أبرز رجال الأعمال الفرنسيين في العالم، قادماً من طفولة قاسية عاشها في سوريا، خلال حياة البداوة.
 
 
 نجح المقاول الفرنسي السوري الأصل محمد الطراد باحتلال صدارة مقاولي العالم بعد نيله الجائزة العالمية للمقاول لعام 2015 كتتويج لمسار استثنائي بامتياز. 
 ولد محمد الطراد في سورية بمحافظة الرقة  وينحدر من قرية الجبلي، . لعائلة من عوائل البدو الرحل، لا يُعرف تاريخ ميلاده على وجه الدقة، حيث لا يهتم البدو بتسجيل أبنائهم، معتبرين أن يوم الميلاد شيء غير مهم، ولكنه مسجل في الأوراق الرسمية بأنه وُلد عام 1948. 
وفي عدد من اللقاءات المتلفزة، تحدث الطراد عن حياة البداوة الصعبة، وكيف كان والده رجلا ذو نفوذ، ويتمتع بحقوق كبيرة .
توفيت والدته وهو في سن صغير ، فتولت جدته رعايته، أما شقيقه الأكبر فقد راح ضحية الضرب وسوء المعاملة من قبل والده.
وفي أحد اللقاءات قال الطراد بأن والدته ماتت قهرًا، فقرر الانفصال عن والده والعيش مع جدته، التي رفضت أن يدرس في المدرسة، قائلةً:
 “أي راعي لا يحتاج إلى الكتب”، فكان يرعى الأغنام، ويدرس لأنه آمن أن الدراسة هي مخرجه الوحيد من هذا البؤس.
كانت ظروف الطراد التعليمية غير مستقرة، إذ كانوا يتنقلون حسب حاجات الرعي وموسم المطر، وذلك حتى وصل إلى مرحلة الصف الثالث الابتدائي، ولكن لحسن الحظ انتقلت عائلته إلى الرقة، وهناك انتقل للعيش في منزل لشخص قريب من العشيرة ذاتها، ليس لديه أولاد، فاستطاع البقاء عنده، وإكمال تعليمه حتى حصل على الشهادة الثانوية. 
كان الطراد يمشي قرابة 10 كيلو متر داخل الصحراء، ليصل لأقرب مدرسة في الرقة شمال سورية، في الثانوية العامة حصل على المركز الأول على مستوى الرقة، فنال منحة من الحكومة السورية آنذاك للدراسة في الخارج.
 كان يريد دراسة الطيران العسكري في كييف، لكن المنح ذهبت لغيره، ولم يبقَ أمامه إلا ثلاثة خيارات إما الدراسة في حلب ليصبح أستاذًا أو دراسة الطب في القاهرة، أو الذهاب لفرنسا لدراسة اختصاص هناك. 
فاختار السفر إلى فرنسا، واشترى تذكرة “ذهاب” فقط، مصمماً على عدم العودة لسورية، واستقر في مدينة مونبلييه الفرنسية.
في مونبلييه، كان السكان المحليون مرتابين من هذا الأجنبي. فعندما طُرد المستعمرون الفرنسيون من الجزائر خلال الحرب، لم يكن معظم الفرنسيين في جنوب البلاد يميزون بين الجزائريين والعرب.
 يقول الطراد: “حاولت أن أشرح أنني لست جزائرياً، لكنهم كانوا يجيبون بأن العرب جزائريون”. وفي ذلك الحين، احتاج إلى أكثر من عام، ليتمكن من إجراء محادثات ذات مغزى، غير الاستفسار عن مسار الحافلة أو طلب رغيف خبز فرنسي. يضيف: “إنهم يتوقعون منك أن تحب ثقافتهم. لكنك عاجز عن محبة شيء لا تفهمه”. كما كانت الوظائف الوحيدة المتاحة للمهاجرين العرب منخفضة الأجور، مثل تنظيف الشوارع أو حراسة خطوط تجميع المصانع، أي الوظائف التي يرفض معظم المواطنين العمل فيها. وخلال فترة العطلة الصيفية للكلية، عمل الطراد في قطف كروم العنب في مزارع حول مونبلييه مقابل 15 دولار يومياً.
ليلتحق بعد الانتهاء من دراسته الجامعية، ببرنامج الدكتوراة في علوم الحاسوب بباريس. ولأنه استطاع العمل بدوام جزئي أثناء الدراسة، حصل على وظيفة مهندس مبتدئ في إحدى الشركات.
 ثم غادرها بعد عام واحد للحصول على وظيفة مماثلة في شركة المقاولات الخاصة بالدفاع والفضاء (Thomson) وأصبح مؤهلاً للحصول على الجنسية. كما التقى بامرأة فرنسية أصبحت زوجته فيما بعد. 
في عام 1980 ، بعد فترة وجيزة من حصوله على شهادة الدكتوراه، عثر على إعلان توظيف في ( Le Monde) لحكومة أبوظبي، وأثار اهتمامه احتمال العودة إلى الشرق الأوسط. فعمل في قسم تكنولوجيا المعلومات في شركة (Abu Dhabi National Oil Company).
حينئذ لم تكن الإمارة متألقة كما هي اليوم، فكان فيها عدد قليل من المرافق والمطاعم ودور السينما التي تعرض أفلام بوليوود فقط. وسرعان ما أدرك كيف غيره نمط الحياة الفرنسي، ودفعه إلى الإسراع في إنهاء عقده عام 1984 ، سيما أن زوجته أرادت لابنهما الدراسة في فرنسا.
وعندما عاد إلى باريس، أصبح رائد أعمال وأسس شركة ناشئة؛ إذ بمساعدة ريتشارد ألكوك- زميل بريطاني التقاه في أبوظبي، وزميلي دراسة آخرين، صمم جهاز حاسوب يزن حوالي 60 رطلاً، في العام الذي أصدرت فيه (Apple) أول جهاز ماكنتوش. لكن مع عدم توافر رأس المال المطلوب لمواصلة عمليات التطوير، بيعت الشركة وحصل الطراد على نحو 600 ألف دولار.
وفي عام 1985 ، بينما كان يقضي إجازته في قرية فلورنساك حيث يقيم أقارب زوجته، أخبره أحد الجيران عن مصنع سقالات مثقل بالديون ومعروض للبيع. لم يكن يعرف معنى الكلمة الفرنسية التي تفيد معنى “السقالات”، لكنه اهتم بذلك، فشارك ألكوك مرة أخرى، واشتريا الشركة مقابل مبلغ زهيد جدًا. ومع خفض التكاليف وإعادة تنظيم العمليات، استطاع الطراد إنعاش الشركة خلال عام واحد فقط. لكن طالما تلقى إشارات تذكره بأن المعوقات تحتشد ضده لكونه عربياً. يقول: “يجب أن تثبت جدارتك أكثر من رجال الأعمال العاديين. وبصراحة، لا ينجح العرب بسهولة في فرنسا”.
حتى إنه عندما أراد فتح حساب مصرفي للشركة ورفضته البنوك، شك في أن لاسمه علاقة بذلك. وبعد سنوات قليلة، حين بدأ الاقتصاد الفرنسي يتعافى من الركود، رفضت بعض البنوك إعطاءه قرضاً بالرغم من أن شركته كانت تحقق الأرباح.
وفي نهاية كل سنة مالية، كان (Banque de France) يطلب من الشركات تقديم نسخة من ميزانيتها العمومية المدققة. فبدا للطراد أن البنك ينظر مطولاً في بياناته المالية. مما أشعره بنوع من التمييز.
يقول: “لاحظت أنهم يمحصونها أكثر من أي شركة أخرى أحياناً”. مع ذلك، حقق تقدماً، خاصة من خلال الاستحواذ على منافسين أصغر والتوسع خارج فرنسا إلى إيطاليا وإسبانيا.
وشهد الطراد نقطة تحوّل في حياته في العام 2003، فقد أصبحت شركته بحلول ذلك الوقت تتمتع بقاعدة صلبة، وتملك 21 شركة تابعة تحقق أرباحاً بقيمة 130 مليون دولار.
 ففي عام 2003 ، اشترى المنافسة الألمانية (Plettac) وأتم صفقة الاستحواذ على شركة الخدمات الصناعية الهولندية (Hertel Group) وشركة تعهدات النفط والغاز الفرنسية (Prezioso-Linjebygg). 
كما وظفت الشركة استراتيجيين في العلاقات العامة، لتعزيز الوعي بالعلامة التجارية. 
يقول ألكوك، الذي تقاعد في عام 2008 ، وباع أسهمه للطراد: “أصبح محمد معروفاً بشخصيته وبوصفه رائد أعمال مرموق”.
 وفي عام 2015 ، فاز الطراد بجائزة رواد الأعمال العالمية من (Ernst & Young) ووجهت إليه دعوة من الرئيس السابق باراك اوباما، للحديث في القمة السياسية في نيروبي بكينيا. فجذب له كلا الحدثين تغطية إعلامية واسعة في فرنسا، وتلقى مكالمة هاتفية من أولاند الذي دعاه إلى قصر الإليزيه.
 قبل أكثر من 20 عاماً، نشر الطراد رواية (Badawi) وهي أشبه بسيرة ذاتية عن طفولته في سورية ورحلة كفاحه في فرنسا.
ويوجد الآن ملعب في مدينة مونبلييه يحمل اسم ملعب الطراد لرياضة “الركبي”، وعن هذا الملعب يقول “في عام ٢٠١١ كان لمدينة مونبيله نادي من الدوري الأول للركبي، وكان النادي يلعب على المستوى العالمي وبلغ نهائي بطولة ال١٤ في فرنسا ضد نادي مدينة تولوز، لكن الوضع المالي لهذا النادي لم يكن على ما يرام، إذ كان مفلساً، وطلب مني مساعدة النادي وانقاذه ، لماذا انقذه؟ السبب ليس عقلانياً، ليس هناك أرباح مرتقبة، ولكن رغم ذلك منحت مليونين وأربعمئة ألف يورو، للنادي وأنفقت حتى الآن ١٧ مليون يورو، لأجعله من احسن النوادي في فرنسا”.
وعن سبب ذلك الدعم يوضح الطراد “لماذا فعلت هذا؟ هذه طريقة لأرد الجميل لمونبيله، حتى لا يقال يوماً أن مونبلييه قد هدرت وقتها مع هذا البدوي الذي جاء من سوريا”.
المصادر: موسوعة رواد الاغتراب السوري حول العالم / أيام كندية/ وكالات:

مواضيع ذات صلة