الشرفة.. قصة قصيرة بقلم أ. محمد صباح الحواصلي/أيام كندية

(إلى أمي أنليزة.. زهرة الإيدل فايس النفيسة التي لا تنبت إلا في أعالي جبال الألب.)
 
    عرفتَ العالم خارج البيت من خلال تلك الشرفة التي كانت على شيء من الاتساع. كان سورها مرتفعاً لذا لم يتيسر لكَ أن تعرف إلا السماء والأطيار. 
    رأيتَ السماء واجمة ترعد وتكفهر ولم تعد غيومها – كما عهدتها – بيضاء جميلة، ولا ترى فيها أثراً للأطيار.
    وها أنتَ تقف خلف الزجاج ورأسكَ مرفوع إلى أعلى تنظر إلى الأمطار كيف تهطل. وكنتَ تتساءل من أين تأتي كل هذه الأمطار التي تضرب الزجاج بعنف؟ ثم أين تلك العصافير المغردة التي لم تكن تبرح شرفتنا؟ وهذه السماء ترى هل ستعود كما رأيتها ذات مرة زرقاء توشيها غيوم بيضاء ناصعة؟
    وعندما أتى فصل الربيع، عادت السماء ضاحكة دافئة.. وعادت العصافير إلى تغريدها.. وعدتَ أنتَ إلى الشرفة.. إلى ملعبكَ الذي عرفتَ من خلاله أن العالم في الخارج لابد أن يكون كبيراً.. كبيراً. وورد في ذهنك تساؤل: "ترى ما اتساع هذا العالم؟ وكم يحوي من أشياء؟"
    وذات صباح وجدتَ سلماً مسنداً إلى الحائط الذي يفصل بين الشرفة والعالم الخارجي. رحت ترمقه ساكناً وكأنك تنتظر أن تعرف السبب الذي يشدك إليه بفضول.. وبغتة، خرجت من سكونك وانفرجت ابتسامة فضول على ثغرك، ثم تقدمت إليه وجعلتَ تتسلقه ببطء وحذر. كنت كلما صعدت بضع درجات تنظر إلى أسفل.
    نعم كنت ترتفع وكان الخوف يجعلك تشد قبضتك على السلم، إلى أن أشرفتَ على الدنيا.. على تلك الآفاق المذهلة.
    ياه.. كم كان فرحكَ رحباً. لقد صدق ظنك أن الدنيا كبيرة.. ولعل أروع ما فيها أنكَ رأيتها أجمل بكثير مما كنت تتصور.☆
▪︎"تكوينات".. مجموعة قصصية كتبها القاص الأستاذ محمد صباح الحواصلي/ أيام كندية، ونُشرت في ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

مواضيع ذات صلة