معاليك... بقلم المؤرخ سامي مروان مبيّض/ أيام كندية

ذات يوم، خاطبت الراحل محمّد حسنين هيكل بلقب "معاليك" لكونه كان وزيراً للإعلام في بلاده. أجابني: "أنا لا أحب هذا اللقب... وأفضل أن تناديني باسمي." ينطبق هذا الكلام على كثير من الكُتاب الذين تسلّموا مناصب حكومية في بلادهم، مثل عبد السلام العُجيلي في سورية وغسان تويني في لبنان وطه حسين في مصر. فالعمل الحكومي إداري ومؤقت، أما القلم فهو أبدي، يرافق صاحبه حتى الممات. وعندما توفي هؤلاء، لم يصفهم أحد بلقب "الوزير السابق،" بل تحدثوا عنهم ككتابٍ ونُقادٍ ومؤلفين. 
 
في اليوم والأمس، كثيرٌ من السوريين أحبوا لقب "معالي الوزير" وجعلوه هدفاً نصب أعينهم، متجاهلين قول النبي بأن طالب الولاية لا يولّى. وفي معظم الأحيان، من وليّ منهم كانت ولايته قصيرة وغير مُثمرة. فالوزير الحقيقي لا يُحسد على منصبه بالمطلق، فهو يسهر على راحة الناس وتأمين حاجاتهم اليومية، ويكون ذلك على حساب صحته وعائلته وماله، حيث يصرف من جيبه على منصبه بصمت ولا يتقاضى منه أجراً أو ربحاً. ومن يعمل في الشأن العام كثيراً يسمع دُعاء من الأصدقاء: "إن شاء الله منشوفك وزير،" وكان الوزير اعلى  مقاماً من أي مهنة أخرى. وهناك قائمة طويلة من ناسكي الوزارات، الذين رفضوا تسلّمها بالرغم من كلّ المُغريات التي قدمت لهم، لقناعتهم بأنها تتطلب مهارات إدارية لا يملكونها قط. 
 
لن أتحدث عن الأحياء (وهم كثر) وسأكتفي بالأموات. ابراهيم هنانو كان من هذا الصنف، فقد رفض تسلّم أي حقيبة وزارية في حياته. وعندما كانت تبدأ الاستشارات النيابية، كان يعتكف في منزله وينزع جرس الهاتف لكي لا يتصل به أحد ويُحرجه. وكذلك فعل فخري البارودي، أشهر ظرفاء دمشق، عندما اتصل به صديقه لطفي الحفار عارضاً عليه حقيبة وزارية. كان جوابه: "انا ما خرجي وزير...بس اذا كتير مزنوقين، سألوا كمال (السائق)، يمكن هو يرضى...بس مو أكيد. بدكم تقنعوه بالأول!" حتى غوار الطوشة رفض الوزارة في إحدى أعماله المسرحية، قائلاً: "لا حبيبي، بدي وظيفة ثابتة!"  
 
ذات يوم دَخلت على أحد الوزراء، وهو صديق قديم قبل أن يُصبح وزيراً. ضغط الزر ليطلب لي فنجان قهوة، ولكن الزر سقط من على مكتبه وانكسر. قُلت له باسماً: "بسيطة عمّي...فداك." فأجاب بين المزح والجد: "لا شو فدايي....الوزير كلو بهاد الزر!"وكان صادقاً بكلامه لأن هذا "الزر" والسلطة المرتبطة به، هو الذي يُعطي الوزراء شعورهم بالقوة....وبأن رغباتهم أوامر يجب أن تُطاع فوراً. 
 
يُحكى أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عرض على محمود درويش تسلّم حقيبة وزارية في السلطة الوطنية الفلسطينية بعد تشكيلها إثر توقيع اتفاقية أوسلو. حاول درويش الإعتذار بشكل لبق، ولكن "أبو عمار" ألح عليه قائلاً: "اختار أي حقيبة ولن أناقشك بها." فرد درويش بذكاء: "أريد حقيبة النفط!" 
 
استغرب عرفات من هذا الطرح وقال: "يا محمود، ليش برام الله في نفط؟" 
 
أجابه درويش: "بس يصير في نفط، أنا جاهز!"

مواضيع ذات صلة