عالم غريب ومجنون بقلم د. سامي مروان مبيّض

عالم غريب ومجنون بقلم د. سامي مروان مبيّض من يعرف هذه البلاد يُدرك أن أوبئة خطيرة قد عصفت بها عبر العصور، نذكر منها الكوليرا والتفوئيد والسل الذين فتكوا بأهلنا وأجدادنا في زمن ليس بعيداً. وعند انتشار مرض الكوليرا في الأربعينيات، قامت إذاعة دمشق ببث برامج توعية للمواطنين، خُلقت من أجلها عدة شخصيات فكاهية عاشت مع الناس أطول من الكوليرا بكثير مثل "أم كامل" و"أبو فهمي." وعندما حاول البعض إغلاق جامعة دمشق يومها، قال رئيسها الدكتور حسني سبح: "بالعِلم، يمكنكم التغلب على الكوليرا...ولكن لو جلستم في بيوتكم تأكدوا أن الكوليرا سوف تتغلب عليكم!" ومن منعكسات الكوليرا الإجابية على سورية كان قرار تحويل مديرية الصحة إلى وزارة عام 1946، وإنضمام سورية إلى منظمة الصحة العالمية. أنظر حولي بدمشق، بحثاً عن أي ناتج إيجابي عن كل هذا الهلع من وباء كورونا. مُحيط جامعة دمشق ذاتها، التي كنا نتحدث عنها قبل قليل والتي كانت تعرف يوماً بمنارة العِلم في الشرق الأوسط، مليئ اليوم بكافة الأوساخ التي قد تحمل في طياتها ما هو أسوأ وأخطر من ستين كورونا. وما زالت الملابس الداخلية الملونة ترقص زهواً على سورها العريق، بالأحمر والأخضر والأصفر. المقاهي المغلقة في ازدياد ملحوظ داخل دمشق وقد تحدت الوباء العالمي عبر نرابيش بلاستيكية للنارجيل، تُستخدم لمرة واحدة فقط. وكذلك مهرجانات الدبكة والمزمار، فهي أيضاً بازدياد، احتفالاً بقدوم الربيع. طوابير الانتظار للحصول على خيرات ونعم البطاقة الذكية تكاد تحمل عشرات الامراض مثل الكورونا واخواتها. باصات النقل العام مازالت تعاني من ازدحام خانق، وكذلك كافة الطرقات والدوائر الحكومية. وبعد تجاوزه لقضية نانسي عجرم وزوجها، فإن الشعب السوري الآن ينتظر مغامرات جبل شيخ الجبل في رمضان القادم، لا منجز عِلمي أو أدبي له، بكل أسف، ولا اختراع يُبهر العالم، ولا حتى مسرحية هادفة أو مسلسل. عندما اجتاح الطاعون مُدن إنكلترا في القرن السابع عشر، أغلقت جامعة كامبريدج أبوابها، مما أجبر أحد الطلاب، واسمه اسحق نيوتون، على الإعتكاف في منزله لتطوير نظرية الجاذبية، التي بدورها، عاشت أطول بكثير من الطاعون. وها نحن اليوم قابعون في بيوتنا، فهل سنرى بعد هذا الاعتكاف ابتكارات جديدة مثل نيوتن؟ ام ستكون النتائج فقط منشورات فيسبوك ورسائل واتساب تسخر من هذا الوباء العالمي؟

مواضيع ذات صلة