شيخ الكار سلوم حداد بين عباءة الزير وندم الغول بقلم عامر فؤاد عامر/أيام كندية

قد لا نجد العديد من الصفات المُحدّدة المُمكن انتقائها في وَسْمِ فنانٍ كبير، له باع طويل في تجسيد الشخصيّات على تنوّعها واختلافها وتعدّدها، إلا أن ميّزاتٍ فيه باتت واضحةَ المعالم، يمكن لنا استقرائها عبر مسيرةٍ بدأت من سبعينيّات القرن الماضي، وما زالت مستمرة حتى الآن.
يحمل الفنان القدير سلوم حداد الهاجس الفنّي منذ البدايات كموهبة تقليد الأشخاص في مرحلة الطفولة، وتمثيل المسرحيّات أثناء مراحل الدّراسة، أو من خلال كفاحه اليومي المستمر، ولذلك نجده صاحب همٍّ، وصاحب هدفٍ متجدّد، ونبوغه جاء عبر تجربته وإحساسه، ولدى رصدنا للعديد من أدواره في البدايات سنعلم بأنه صقل الموهبة ليصنع لنفسه، ومن دون خطّة، الميزان الذي يضيف لأيّ عملٍ يشارك فيه.
"أبو عبدو الغول" في مسلسل "الندم" ورؤية منضبطة في خلق الشخصيّة وإطلاقها، لتكون حيّة تشبه أناساً نلتقيهم في الحياة، وقد بدأنا بها لأنها طرحت سؤالاً متجدّداً: ما الذي سيقدّمه "سلوم" بعد هذه الشخصيّة المدّروسة بعناية؟! والغاية من السؤال سؤال آخر، هل امتلأ كأسه ليطرح في السنوات المقبلة تكراراً بات يختبره ويعرفه بدقة؟! وكان الجواب بعدها أن هذا الفنان القدير قد أمتع المتلقي بشخصيّة متجددة هي الشيخ عبد الجليل في مسلسل "عندما تشيخ الذئاب" والتي منحها أبعاداً غنيةّ أجادها أكثر مما كانت على صفحات الرواية الأصلية، إضافة لشخصيّة "حازم" التي تابعناها مؤخراً في مسلسل "المنصّة" والحيويّة التي منحها للشخصيّة المتطرفة المصبوغة بقالب واحد.
الشخصيّة الأبرز في تاريخ هذا الفنان والتي جاءت كذلك في سببٍ أوّل هو الجماهيريّة التي حققتها وما زالت، ونقصد "الزير سالم" في مسلسلٍ أثار الجدل وحقق النجاح، ولربما هذه الشخصيّة هي الأحبّ لقلب سلوم حداد، سيّما وأن أحد شواغله الدّاخلية محبّة الناس له، ومحبته لهم، ما يدلّ على رصانة هذا الفنان وحقيقيّته التي عاشها بمواصفات عامة كفنان وخاصّة كسلوم.
هل خرج الفنان سلوم حداد من عباءة الزير سالم؟
نرى أن هذا السؤال له خلفيّة ومرجعيّة نستمدها من صفات سلوم الأساسيّة، فهو يمتلك ملامح قاسيّة خاصّة تظهر مع طاقته الانفعاليّة في كلّ موقف يستدعي ذلك، إضافةً لخامة صوت مميّزة، وطريقة معالجة حذرة للشخصيّة التي يتعامل معها، ومن الصفات الفيزيائيّة الممكن ذكرها الوزن، وغيرها من صفات، وهنا بعد استعراض هذه المواصفات والتكوين نجد مبرراً لنجاحه في تجسيده الضابط أو المحقق أو الرئيس: "وهيب" في "الدوامة"، المحقق في فيلم "صرخة نملة"، والعقيد ناظم في "رسائل الحب والحرب"، الريس جميل في "الحوت"، الزعيم أبو العز في "خاتون"، وغيرها.
لكن هل بقي سلوم فقط ضمن هذه الشخصيّة؟ والجواب بات معروفاً، فقد برع في الشخصيّة الأبرز من سيرة محكيّة في الموروث الشعبي، وبات شكله مقروناً بها لشدّة إعجاب المتلقي وتعلقه فيها، فالزير حمل عاطفة مخفيّة لدى الناس أثارها سلوم حداد ليَثبُتَ لنا أن الناس ما زالت مرتبطة فطريّاً بالموروث الشعبي المروي، وهذا الانعطاف في تاريخ الفنان سلوم حداد حقق النجاح الكبير، وفي نفس الوقت شكّل خطراً على مسيرته، وهي أن عباءة الزير سالم كبيرة لدرجة أن البعض توقّع له بعدم التمكن من خلعها وارتداء غيرها، لكن المفاجئة جاءت بعد ذلك بمحاولاتٍ جادّةٍ، فكانت شخصيّات متعدّدة حملت نجاحاً خاصّاً مثل هارون الرشيد، القعقاع بن عمرو التميمي، أبو زيد الهلال، وأبو الطيب المتنبي، لكن الملاحظ أنها كانت شخصياّت تاريخيّة، ولم تتفوق بمستواها على مستوى شخصيّة الزير من حيث محبّة الجمهور.
بالعودة والنظر للأمثلة الأخرى التي حقق نجاحها الخاصّ لدى المتلقي يمكن الاستشهاد بمسلسلات الفانتازية التاريخيّة: "شيراك" والموت القادم إلى الشرق، "شقيف" في الكواسر، و"سرمد البويهي" في الفوارس، لكنها تنضوي أيضاً تحت صفات سلوم الأساسيّة التي أسلفنا بها أعلاه.
وهنا يُبرَرُ لنا مجدداً البداية بشخصيّة أبو عبدو الغول، والتي طعّمها من صفاته الأساسيّة تلك، ولكنه قدّمها بطريقةٍ تُرضي المتلقي، وتذهبُ به إلى قناعة الفنان الذي يضيف للشخصيّة وللعمل نجاحاً بالتأكيد، ويُبرَرُ لنا أيضاً الربط بين عباءة الزير سالم، وأبو عبدو، كدلالةٍ على انتقال الفنان للغنى في منح الشخصيّة ملامحها التي تبعث بالمتلقي التعلّق بها والتصاقها بذاكرته زمناً طويلاً.
لا شكَّ بأن مدّةً ليست بالقليلة مرّت بين تجسيد الشخصيتين السابقتين، إذّ يمكن رصد عدد من المحاولات في أعمال البيئة الشاميّة: "طالع الفضة"، "خاتون"، "زمن البرغوث"، وشخصيّة عاصم في "وردة شاميّة" التي تستحق تسليط الضوء، ومقارنتها ب"حسبالله" للفنان المصري عبد المنعم مدبولي في مسرحيّة "ريّا وسكينة" وعلى الرغم من اختلاف شروط الشخصيّة بين المسرح والتلفزيون، إلا أننا بتجريد أداء كلّ من الفنانين نرى أن سلوم منحها بعداً قويّاً مختلفاً في التطوّر والمرونة.
من الأدوار التي يمكن ذكرها أيضاً شخصيّة راتب في "فوضى"، ونزار قباني، والكثير غيرهما، ولدى التقصّي حول شخصيّة الفنان سلوم حداد نجد أن تجربته الفنيّة لم تقتصر على التلفزيون بل كانت بدايةً على خشبة المسرح وانتهت في مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي، وأيضاً التجربة السينمائيّة على تواضعها إلا أننا لا يمكن أن نغفل حضوره في فيلم "موكب الإباء" وشخصيّة الإمام الحسين، ودوره في فيلمي "علاقات عامة"، و"روداج"، و"صرخة نملة" المصري، و"شباب وشيّاب" الإماراتي، ولا بد من الإشادة بتجربة إخراج مسلسل "القياضة" الإماراتي بجزأيه، إضافةً لإشرافه العام على عدد من المسلسلات، وحضوره في مسلسلات الدّراما العربيّة المشتركة.
 

مواضيع ذات صلة