درس من عباس حلمي الأول.. كان يكره التدخين ويأمر بخياطة شفتي المدخنين/ بقلم الباحث سامي مروان مبيّض

في نهاية أربعينيات القرن التاسع عشر، تولى الأمير الشاب عباس حلمي الأول حكم مصر، وهو أكبر أحفاد محمد علي باشا. كان عباس حلمي يكره التدخين والمُدخنين، فمنع تداول التبغ في قصره وفي دوائر الحكومة المصرية. وكان عقابه شديداً لكل من خالف رغبة الوالي، فيأمر بخياطة شفتيه لمدة 24 ساعة، أميراً كان أم فقير.
 
لقد كتبت كثيراً عن موضوع التدخين في دمشق، لأنه يقلقني جداً وأعتبر أن في عدم قوننته جريمة بحق المجتمع السوري. وأنا مُصر على الكتابة عنه، حتى لو كررت نفسي ولم يعد يُصغي لي أحد، لأنه ليس ترف، كما يقول البعض، ولا هو في آخر سلم أولوياتنا الآن، كما يزعمون. ولو كان الأمر بيدي لكررت ما فعله عباس حلمي، ولكن لحسن الحظ لا سلطة لي في هذه المدينة.
 
من لا يعرف دمشق في الماضي قد لا يزعجه منظر النراجيل المنتشرة في كل رقعة من المدينة. البعض قد يعتبره حرية شخصية وبالنسبة للآخرين هو مصدر رزق، ولو كان على حساب صحة الناس وجمالية مدينتهم. كنت سعيداً بالحظر الذي فرض علينا في شهر أذار الماضي. استعادت دمشق القليل من ألقها القديم وباتت شوارعها أنظف وأخف زحمة. ولكن ها هو الحظر يرفع اليوم، لتعود الزحمة إلى الشوارع ويعود التدخين إلى باصات النقل العام ودوائر الحكومة، بالرغم من مرسوم جمهورية واضح وصريح يُحرم ذلك منذ عام 2008. 
 
وقريباً ستعود النراجيل إلى مقاهي دمشق ومطاعمها، المُغلقة منها والمفتوحة. أصحاب المقاهي هم أشد المدافعين عن هذه العودة المظفرة، لأن مصالحهم قد تضررت كثيراً في الأشهر القليلة الماضية، وهم أصحاب نظرية: "إذا مافي أراكيل، ما حدى بيجي عالمطعم."
 
كلامهم صحيح لا شك،  ولكننا أمام فرصة ذهبية لتغير هذا العرف المجتمعي الذي لا يتجاوز عمره التسع سنوات فقط. قبل الحرب، كان هناك منشآت سياحية وخدمية عدة في دمشق لا تقدم النراجيل، وكانت تربح وتنمو وتزدهر. ما الذي تغير اذن؟ هل تغير ذوق الناس؟ أم أنهم اعتادوا التدخين للترفيه عن همومهم اليومية والحياتية؟ أم أنهم استسهلوه لعدم وجود أي ضوابط من وزارة الصحة؟ وبكل الأحوال هل النراجيل هي قدر دمشق؟ هل نسطيع تغير هذه العادة أم أننا شعب عقيم وعاجز عن التغير والتطوير؟
 
كيف اقلع الناس عن ارتداء الطربوش؟ كيف لبسوا الجينز بدلاً من القمباز والشروال؟ كيف تقبلوا السيارة بدلاً من الحنطور وكيف استبدلوا القابلة بالطبيب والكتّاب بالمدرسة؟ جميع هذه "العادات" سقط من تطور المجتمع، وإن كان التدخين "عادة،" فيمكننا التخلي عنا...لو أردنا....تماماً كما فعل كل شعوب العالم.   
 
ولكن التغير بحاجة إلى قانون صارم، لا يساوم ولا يُرتشى. لست من المعجبين بحسني الزعيم، ولكنه حاول فرض التغير الإيجابي على المجتمع السوري ذات يوم، ومنع الناس من الخروج من منازلهم بالبيجاما أو الكلابية، ووضع غرامة كبيرة لكلّ من يخالف هذا القانون.
 
 لم يخيط شفاه المخالفين كما فعل عباس حلمي الأول، بل فرض عليهم قانون عادل وصارم في ذات الوقت. نحن نطالب بما هو أبسط من كل ذلك بكثير: تطبيق المرسوم الجمهوري وعدم السماح للنراجيل بأن تغزوا أحياء دمشق السكنية مجدداً وأن تبقى محصورة بالمقاهي المفتوحة فقط. وأن لا تقدم لليافعين ولا بحضور الأطفال الصغار.
 
نحن نطالب بقليل من الحكمة والوعي، لو بقي لهما مكان في هذا البلد.
 
أيام كندية 

مواضيع ذات صلة